فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفيه وجهان أحدهما: أن اللام لام كي، أي يشركون ليكون إشراكهم كفرًا بنعمة الإنجاء، وليتمتعوا بسبب الشرك فسوف يعلمون بوبال عملهم حين زوال أملهم والثاني: أن تكون اللام لام الأمر ويكون المعنى ليكفروا على التهديد.
كما قال تعالى: {اعملوا مَا شئْتُمْ} [فصلت: 40] وكما قال: {اعملوا على مَكَانَتكُمْ إنّى عَامل فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 135] فساد ما تعملون.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ (67)}.
التفسير ظاهر، وإنما الدقيق وجه تعلق الآية بما قبلها، فنقول الإنسان في البحر يكون على أخوف ما يكون وفي بيته يكون على آمن ما يكون لاسيما إذا كان بيته في بلد حصين فلما ذكر الله المشركين حالهم عند الخوف الشديد ورأوا أنفسهم في تلك الحالة راجعة إلى الله تعالى ذكرهم حالهم عند الأمن العظيم وهي كونهم في مكة فإنها مدينتهم وبلدهم وفيها سكناهم ومولدهم، وهي حصين بحصن الله حيث كل من حولها يمتنع من قتال من حصل فيها، والحصول فيها يدفع الشرور عن النفوس ويكفها يعني أنكم في أخوف ما كنتم دعوتم الله وفي آمن ما حصلتم عليه كفرتم بالله، وهذا متناقض لأن دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص ما كان إلا لقطعكم بأن النعمة من الله لا غير فهذه النعمة العظيمة التي حصلت وقد اعترفتم بأنها لا تكون إلا من الله كيف تكفرون بها؟ والأصنام التي قطعتم في حال الخوف أن لا أمن منها كيف آمنتم بها في حال الأمن؟.
{وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ في جَهَنَّمَ مَثْوًى للْكَافرينَ (68)}.
لما بين الله الأمور على الوجه المذكور ولم يؤمن به أحد بين أنهم أظلم من يكون، لأن الظلم على ما بين وضع الشيء في غير موضعه، فإذا وضع واحد شيئًا في موضع ليس هو موضعه يكون ظالمًا فإذا وضعه في موضع لا يمكن أن يكون ذلك موضعه يكون أظلم لأن عدم الإمكان أقوى من عدم الحصول، لأن كل ما لا يمكن لا يحصل وليس كل ما لا يحصل لا يمكن، فالله تعالى لا يمكن أن يكون له شريك وجعلوا له شريكًا فلو كان ذلك في حق ملك مستقل في الملك لكان ظلمًا يستحق من الملك العقاب الأليم فكيف إذا جعل الشريك لمن لا يمكن أن يكون له شريك، وأيضًا من كذب صادقًا يجوز عليه الكذب يكون ظلمًا فمن يكذب صادقًا لا يجوز عليه الكذب كيف يكون حاله؟ فإذا ليس أظلم ممن يكذب على الله بالشرك ويكذب الله في تصديق نبيه والنبي في رسالة ربه والقرآن المنزل من الله إلى الرسول، والعجب من المشركين أنهم قبلوا المتخذ من خشب منحوت بالإلهية، ولم يقبلوا ذا حسب منعوت بالرسالة، والآية تحتمل وجهًا آخر وهو أن الله تعالى لما بين التوحيد والرسالة والحشر وقرره ووعظ وزجر قال لنبيه ليقول للناس: {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افترى عَلَى الله كَذبًا} أي إني جئت بالرسالة وقلت إنها من الله وهذا كلام الله، وأنتم كذبتموني فالحال دائر بين أمرين، أما أنا مفتر متنبىء إن كان هذا من عند غير الله أو أنتم مكذبون بالحق إن كان من عنده لكني معترف بالعذاب الدائم عارف به فلا أقدم على الافتراء لأن جهنم مثوى للكافرين والمتنبىء كافر، وأنتم كذبتموني فجهنم مثواكم إذ هي مثوى للكافرين، وهذا حيئنذٍ يكون كقوله تعالى: {وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبينٍ} [سبأ: 24].
{وَالَّذينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ (69)}.
لما فرغ من التقرير والتقريع ولم يؤمن الكفار سلى قلوب المؤمنين بقوله: {والذين جاهدوا فينَا لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي من جاهد بالطاعة هداه سبل الجنة {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} إشارة إلى ما قال: {لّلَّذينَ أَحْسَنُوا الحسنى وَزيَادَة} [يونس: 26] فقوله: {لَنَهْديَنَّهُمْ} إشارة إلى الحسنى وقوله: {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} إشارة إلى المعية والقربة التي تكون للمحسن زيادة على حسناته، وفيه وجه آخر حكمي وهو أن يكون المعنى {والذين جاهدوا فينَا} أي الذين نظروا في دلائلنا {لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} أي لنحصل فيهم العلم بنا.
ولنبين هذا فضل بيان، فنقول أصحابنا المتكلمون قالوا إن النظر كالشرط للعلم الاستدلالي والله يخلق في الناظر علمًا عقيب نظره ووافقهم الفلاسفة على ذلك في المعنى وقالوا النظر معد للنفس لقبول الصورة المعقولة، وإذا استعدت النفس حصل لها العلم من فيض واهب الصور الجسمانية والعقلية، وعلى هذا يكون الترتيب حسنًا، وذلك لأن الله تعالى لما ذكر الدلائل ولم تفدهم العلم والإيمان قال: إنهم لم ينظروا فلم يهتدوا وإنما هو هدى للمتقين الذين يتقون التعصب والعناد فينظرون فيهديهم وقوله: {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} إشارة إلى درجة أعلى من الاستدلال كأنه تعالى قال من الناس من يكون بعيدًا لا يتقرب وهم الكفار، ومنهم من يتقرب بالنظر والسلوك فيهديهم ويقربهم ومنهم من يكون الله معه ويكون قريبًا منه يعلم الأشياء منه ولا يعلمه من الأشياء، ومن يكون مع الشيء كيف يطلبه فقوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ} إشارة إلى الأول وقوله: {والذين جاهدوا فينَا} إشارة إلى الثاني وقوله: {وَإنَّ الله لَمَعَ المحسنين} إشارة إلى الثالث.
والله أعلم بأسرار كتابه، والحمد لله رب العالمين وصلاته على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه أجمعين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إنَّ الدَّارَ الآخرَةَ لَهيَ الْحَيَوَانُ}.
قال الضحاك: الحياة الدائمة وقال أبو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.
قوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءَآمنًا}.
قال عبد الرحمن بن زيد: هي مكة وهم قريش أمنهم الله بها.
{وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حَوْلهمْ} قال الضحاك: يقتل بعضهم بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا فأذكرهم الله بهذه النعمة ليذعنوا له بالطاعة.
{أَفَبالْبَاطل يُؤْمنُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أفبالشرك، قاله قتادة.
الثاني: بإبليس، قاله يحيى بن سلام.
{وَبنعْمَة اللَّه يَكْفُرُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بعافية الله، قاله ابن عباس.
الثاني: بعطاء الله وإحسانه، قاله ابن شجرة.
الثالث: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى، قاله يحيى بن سلام.
الرابع: بإطعامهم من جوع وأمنهم من خوف، حكاه النقاش، وهذا تعجب وإنكار خرج مخرج الاستفهام.
قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا} بأن جعل لله شريكًا أو ولدًا.
{أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: بالتوحيد، قاله السدي.
الثاني: بالقرآن، قاله يحيى بن سلام.
الثالث: بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن شجرة.
{مَثْوًى} أي مستقرًا.
قوله: {وَالَّذينَ جَاهَدُوا فينَا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: قاتلوا المشركين طائعين لنا.
الثاني: جاهدوا أنفسهم في هواها خوفًا منا.
الثالث: اجتهدوا في العمل بالطاعة والكف عن المعصية رغبة في ثوابنا وحذرًا من عقابنا.
الرابع: جاهدوا أنفسهم في التوبة من ذنوبهم.
{لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: يعني الطريق إلى الجنة، قاله السدي.
الثاني: نوفقهم لدين الحق، حكاه النقاش.
الثالث: معناه الذين يعملون بما يعلمون يهديهم لما لا يعلمون، قاله عباس أبو أحمد.
الرابع: معناه لنخلصنّ نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم، قاله يوسف بن أسباط.
{وَإنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسنينَ} أي في العون لهم، الله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمَا هَذه الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إلَّا لَهْو وَلَعب}.
وصف الله تعالى: {الدنيا} في هذه الآية بأنها {لهو ولعب} أي ما كان منها لغير وجه الله تعالى، فأما ما كان لله فهو من الآخرة، وأما أمور الدنيا التي هي زائدة على الضروري به قوام العيش والقوة على الطاعات فإنما هو {لهو ولعب} وتأمل ذلك في المطاعم والملابس والأقوال والمكتسبات وغير ذلك، وانظر أن حالة الغني والفقير في الأمور الضرورية واحدة كالتنفس في الهواء وسد الجوع وستر العورة وتوقي الحر والبرد وهذه عظم أمر العيش، و{الحيوان} و{الحياة} بمعنى واحد، وهو عند الخليل وسيبويه مصدر كالهيمان ونحوه، والمعنى لا موت فيها قاله مجاهد وهو حسن، ويقال أصله حييان فبدلت إحداهما واوًا لاجتماع المثلين، ثم وقفهم تعالى على حالهم في البحر عند الخوف العظيم، فإن كل بشر ينسى كل صنم وغيره ويتمسك بالدعاء والرغبة إلى الله تعالى، وقوله: {إذا هم يشركون} أي يرجعون إلى ذكر أصنامهم، وتعظيمها، وقوله: {ليكفروا} نصب بلام كي، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم {وليتمتعوا} بكسر اللام، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {ولْيتمتعوا} بسكون اللام على صيغة الأمر التي هي للوعيد والتهديد، والواو على هذا عاطفة جملة كلام، لا عاطفة فعل على فعل وفي مصحف أبي بن كعب {فتمتعوا فسوف تعلمون} وفي قراءة ابن مسعود {لسوف تعلمون} باللام، ثم عدد تعالى على كفار قريش نعمته عليهم في الحرم في أنه جعله لهم آمنًا لا خوف فيه من أحوال العرب وغارتهم وسوء أفعالهم من القتل وأخذ الأموال ونحوه، وذلك هو التخطف الذي كان الناس بسبيله، ثم قررهم على جهة التوبيخ على إيمانهم بالباطل وكفرهم بالله وبنعمته، وقرأ جمهور القراء {يؤمنون} بالياء من تحت وكذلك {يكفرون} وقرأهما بالتاء من فوق الحسن وأبو عبد الرحمن.
{وَمَنْ أَظْلَمُ ممَّن افْتَرَى عَلَى اللَّه كَذبًا أَوْ كَذَّبَ بالْحَقّ لَمَّا جَاءَهُ}.
قررهم عز وجل على حال من {افترى على الله كذبًا أو كذب} بآياته، وهذه كانت حالهم وأعلمهم أنه لا أحد {أظلم} منهم، وهذا في ضمنه وعيد شديد، ثم بين الوعيد أيضًا بالتقرير على أمر جهنم، والمثوى موضع الإقامة، وألفاظ هذه الآيات في غاية الاقتضاب والإيجاز وجمع المعاني، ثم ذكر تعالى حال أوليائه والمجاهدين فيه، وقرر ذلك بذكر الكفرة والظلمة ليبين تباين الحالتين، وقوله: {فينا} معناه في مرضاتنا وبغية ثوابنا. قال السدي وغيره: نزلت هذه الآية قبل فرض القتال.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهي قبل الجهاد العرفي وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته، قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد، وقال عياش وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعلمون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم»، ونزع بعض العلماء بقوله تعالى: {واتقوا الله ويعلمكم الله} [البقرة: 282] ، وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا، وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في هذه الآية قتال العدو فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين وقمع الظالمين، وعظمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله عز وجل وهو الجهاد الأكبر، قاله الحسن وغيره وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال الضحاك: معنى الآية: {والذين جاهدوا} في الهجرة {لنهدينهم} سبل الثبوت على الإيمان، والسبل ها هنا يحتمل أن تكون طرق الجنة ومسالكها، ويحتمل أن تكون سبل الأعمال المؤدية إلى الجنة والعقائد النيرة، قال يوسف بن أسباط: هي إصلاح النية في الأعمال وحب التزيد والتفهيم، وهذا هو أن يجازى العبد على حسنة بازدياد حسنة وبعلم يقتدح من علم متقدم وهي حال من رضي الله عنه، وباقي الآية وعد، ومع تحتمل أن تكون هنا اسمًا ولذلك دخلت عليها لام التأكيد، ويحتمل أن تكون حرفًا ودخلت اللام لما فيها من معنى الاستقرار كما دخلت في إن زيدًا لفي الدار. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وما هذه الحياةُ الدُّنيا إلا لَهْو ولَعب}.
والمعنى: وما الحياةُ في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي عن قليل {وإنَّ الدَّار الآخرة} يعني الجنة {لَهيَ الحَيَوانُ} قال أبو عبيدة: اللام في {لَهيَ} زائدة للتوكيد، والحيوان والحياة واحد؛ والمعنى: لهي دارُ الحياة التي لا موتَ فيها، ولا تنغيص يشوبها كما يشوب الحياةَ الدُّنيا {لو كانوا يَعْلَمون} أي: لو علموا لرغبوا عن الفاني في الباقي، ولكنهم لا يَعْلَمون.
قوله تعالى: {فإذا رَكبُوا في الفُلْك} يعني المشركين {دَعَوُا اللّهَ مُخْلصين له الدّين} أي: أفردوه بالدُّعاء.
قال مقاتل: والدّين بمعنى التوحيد؛ والمعنى أنهم لا يَدْعُون مَنْ يَدْعُونه شريكًا له {فلمَّا نَجَّاهم} أي: خلَّصهم من أهوال البحر، وأَفْضَوا {إلى البَرّ إذا هم يُشْركون} في البَرّ، وهذا إخبار عن عنادهم.
{ليَكْفُروا بمَا آتيناهم} هذه لام الأمر، ومعناه التهديد والوعيد، كقوله: {اعْمَلوا ما شئْتُم} [فُصّلت: 40] ؛ والمعنى: ليَجْحَدوا نعْمة الله في إنجائه إيَّاهم {وليَتَمَتَّعُوا} قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي باسكان اللام على معنى الأمر؛ والمعنى: ليتمتعوا بباقي أعمارهم {فسوف يَعْلَمون} عاقبة كفرهم.
وقرأ الباقون بكسر اللام في {ليَتَمتَّعُوا} فجعلوا اللاَّمين بمعنى كي، فتقديره: لكي يكفُروا، ولكي يَتَمتَّعوا، فيكون معنى الكلام: إذا هم يُشْركون ليكفُروا وليتمتَّعوا، أي: لا فائدة لهم في الإشراك إلاّ الكفر والتمتُّع بما يتمتَّعون به في العاجلة من غير نصيب لهم في الآخرة.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوا} يعني كفار مكة {أنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنًا} يعني مكة؛ وقد شرحنا هذا المعنى في [القصص: 57] {ويُتَخَطَّفُ النَّاسُ منْ حولهم} أي: أن العرب يَسْبي بعضهم بعضًا وأهلُ مكة آمنون {أفبالباطل} وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: الشّرك، قاله قتادة.
والثاني: الأصنام، قاله ابن السائب.
والثالث: الشيطان، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {يُؤْمنونَ} وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعاصم الجحدري: {تُؤْمنونَ وبنعمة الله تكفُرونَ} بالتاء فيهما.
قوله تعالى: {وبنعمة الله} يعني: محمدًا والإسلام؛ وقيل: بانعام الله عليهم حين أطعمهم وآمنهم {يكفُرون} {ومَنْ أَظْلَمُ ممَّن افترى على الله كَذبًا} أي: زعم أن له شريكًا وأنه أمر بالفواحش {أو كذَّبَ بالحق لمَّا جاءه} يعني محمدًا والقرآن {أليس في جهنم مثوىً للكافرين}؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، كقول جرير:
ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطايا ** وأندى العالَمينَ بُطونَ راح

{والذين جاهَدوا فينا} أي: قاتلوا أعداءنا لأجلنا {لَنَهْديَنَّهم سُبُلَنا} أي: لَنُوَفّقَنَّهم لإصابة الطريق المستقيمة؛ وقيل: لَنَزيدنَّهم هدايَة {وإنَّ الله لَمَعَ المُحْسنينَ} بالنُّصرة والعون.
قال ابن عباس: يريد بالمُحْسنين: الموحّدين؛ وقال غيره: يريد المجاهدين.
وقال ابن المبارك: من اعتاصت عليه مسألة، فليسأل أهل الثُّغور عنها، لقوله: {لَنَهْديَنَّهُمْ سُبُلَنَا}. اهـ.